عزيزى الزائر/عزيزتى الزائرة
هذه الرسالة تعنى انك غير مسجل معنا فى المنتدى
لمشاهدة مواضيع المنتدى سجل معنا فى منتدانا
نتمنى ان تكونوا فى صحة دائمة
الادارة
منتديات مصراوى
عزيزى الزائر/عزيزتى الزائرة
هذه الرسالة تعنى انك غير مسجل معنا فى المنتدى
لمشاهدة مواضيع المنتدى سجل معنا فى منتدانا
نتمنى ان تكونوا فى صحة دائمة
الادارة
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الإثنين يونيو 12, 2017 9:45 pm الجمعة يونيو 09, 2017 12:16 am الجمعة يونيو 09, 2017 12:09 am الجمعة يونيو 09, 2017 12:05 am الجمعة يونيو 09, 2017 12:01 am السبت ديسمبر 17, 2016 3:08 pm الجمعة نوفمبر 18, 2016 10:12 pm الجمعة نوفمبر 11, 2016 10:32 pm الخميس نوفمبر 03, 2016 10:32 pm الأحد أغسطس 21, 2016 2:54 pm
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسَّلام على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد.
فإنَّ ما تعيشه الأُمَّة المُسلمة في حاضرها من انحطاطٍ وتردٍّ وهوان، لعلَّه أسوأ ما مرَّ عليها في تاريخها الغابر، إذا لم تعد العُدَّة وتصحو من كبوتها لتتسلَّم زمام قيادة العالم من جديد، هذا العالم الذي يئنَّ الآن من وطأة العلمانية المستعْبِدَة والمستَبدَّة، يتطلع للخلاص، ويتطلع لأنْ يشعر الإنسان بإنسانيته ، وكرامته التي أهدرتها الماديَّة الجاهلية.
إنَّ الأُمَّة الإسلامية هي الأُمَّة الوحيدة القادرة على صنع الحضارة الإنسانية، والفكر الإسلامي هو الفكر الوحيد القادر على بثِّ الرُّوح في ماديَّة الإنسان ليصنع منه إنساناً يسمع ويرى بنور ربِّه، هذا الإنسان الذي بات يصم أذنيه ويغمض عينيه، يَقْتُل ويُشَرِّد مبرِّراً وحشيته تحت مُسمَّيات ما أنزل الله بها مِنْ سلطان.
وإذا سمحت لنفسي أنْ أقول إنَّ المادية العلمانية التي لا روح فيها أخرجت هذه النَّماذج، لا تُلام، لأنَّ أصحاب المبدأ الإسلامي غابوا وتركوا السَّاحة لغيرهم، يسرحون ويمرحون دون وعيٍ أو إدراك حقيقي لما ستؤول إليه حال البشرية إذا ما بقيت سائرة في دروب الضَّلال والتِّيه.
لقد أفلست كل العقائد والمبادئ وكل الطروحات، وها هي تتخبط ولا مخرج، وإنَّ الأعناق تشرئبُّ إلى هذا الدِّين ليخرج النَّاس من ظلمات الجهل والباطل إلى نور الإيمان وصلاح الدنيا والآخرة.
عادت البشرية إلى جاهلية أشد مِنَ الجاهلية الأولى رغم تقدُّمها العلمي وبلوغها شأناً عظيماً في هذا المجال. إلا أنَّ استعباد الإنسان وإهدار إنسانيته عاد بصورة عصرية بشعة ، ولا شكَّ أنَّ المستقبل لهذا الدِّين ليأخذ دوره الطبيعي الريادي في قيادة البشرية.
إنَّ المسؤولية تقع الآن على أعناق المسلمين ليقوموا بهذا الدَّور الجليل والخطير، وإلاَّ فإنَّ الله سيأتي بقوم آخرين يحبهم ويحبونه ولا يكونون أمثالنا، كما في قوله تعالى) وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم
ثم لا يكونوا أمثالكم[1]).وقوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) ([2]).
وعليه فإن سنة الاستبدال ستجري علينا(سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً) ([3]).
في هذه الورقات طرحت سؤالين ملحين يتصلان بحياتنا المعاصرة وهما:
ـ هل هناك أمل ؟ ! ـ وما العمل ؟ !
وللإجابة على هذين السؤالين أقول والله المستعان:
السؤال الأول: هل هناك أمل ؟ !
لقد أصاب المسلمين اليأس والقنوط للخروج من المأزق الذي وقعوا فيه ولا يستشعرون بارقة أمل لنهاية النَّفق المظلم، لقد طال الليل وازدادت خطوبه، والدول العلمانية الماديَّة تدَّعي الحضارة، وتسعى إلى إسعاد الإنسان، وهي في الحقيقة تُدمِّر الحضارة وتُدمِّر الإنسان، وتريد أنْ تقضي على بارقة النور.
فهل هناك أمل ؟ !
أولاً: تحريم القرآن الكريم والسُّـنَّة النَّبوية لليأس والقنوط:
لقد تظاهرت نصوص القرآن الكريم والسُّـنَّة النَّبوية المطهَّرة في النَّهي عن اليأس والقنوط من رحمة الله واليأس عن الوصول إلى الغاية المنشودة؛ بل جعلت القعود وفتور الهمم وضعفها منافياً للإيمان وللغاية التي خُلِقَ الإنسان من أجلها، قال تعالى ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) ([4]).
وقال تعالى ( قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) ([5]).
وقال تعالى( وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) ([6]).
وقال تعالى ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤساً ([7]).
وقال تعالى (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط) ([8]).
يقول سيد قطب([9]): "إنَّه لا يقنط من رحمة ربِّه إلا الضَّالون، الضَّالون عن طريق الله الذين لا يستروحون روحه، ولا يحسون رحمته، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته ، فأمَّا القلب الندي بالإيمان المتَّصل بالرحمن، فلا ييأس ويقنط مهما أحاطت به الشدائد، ومهما ادْلَهَمَّتْ به الخطوب، ومهما غام الجو وتلبَّد، وغاب وجه الأمل في ظلام الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر فإنَّ رحمة الله قريبٌ من قلوب المؤمنين المهتدين، وقدرته تنشئ الأسباب كما تنشئ النتائج وتغيِّر الواقع كما تغيِّر الموعود".
ولقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوط بفواحش الأعمال وبالشرك، فعن فُضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً، وأَمَة أو عبد أَبِقَ فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله عز وجل رداءه فإنَّ رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله"([10]).
كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من القعود والعجز عن القيام بالأعمال، والتعلل بتعليلات واهية لا تليق بالإنسان الذي أعده مولاه للخلافة في الأرض وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من العجز والكسل والقعود باعتبار كونه يحط من إنسانية الإنسان، ويقعده عن القيام بمهام الرسالة التي كُلِّف بحملها.
فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر"([11]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ "لو" تفتح عمل الشيطان)([12]).
عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)([13]).
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إشاعة حالة الإحباط في الأمة، واعتبر ذلك من الأمور المهلكة لصاحبها وللأمة على حدٍ سواء .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم). قال أبو إسحاق: "لا أدري أهلكهم بالنصب أو أهلكُهم بالرفع"([14]).
ثانياً: القرآن الكريم والسنة النبوية يذكران بانتصارات الأمم الضعيفة والمغلوبة:
إنَّ التاريخ يشهد أن كثيراً من الأمم المغلوبة والمقهورة انتفضت واستيقظت من غفوتها وردت الكرة على غالبيتها وأذاقوهم من نفس الكأس التي شربوها، وذلك بعد أن حصل لهم الوعي بواقعهم، وتطلعت نفوسهم إلى مستقبل مشرق وضّاء، فكان لهم ما أرادوا, ولا يعني ظهور قوى غاشمة ومُتجبِّرة نهاية التاريخ كما يدعون، بل هي نهاية تاريخهم بإذن الله.
ولقد ذكرت نصوص الكتاب والسنة أنَّ الأمة إذا عادت إلى إيمانها وأعدت ما استطاعت من عدة، يمكن أن تنهض، وأن تستعيد عافيتها من جديد، انظر إلى قوله تعالى ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) ([15]).
وقوله سبحانه وتعالى ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) ([16]).
وقوله تعالى ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) ([17]).وقوله تعالى ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) ([18]). ولا يظن ظانّ أن النصر والرفعة يتمان من غير عدد ولا عدة بل أمر سبحانه بإعداد أكبر قدر مستطاع من القوة وبذل أقصى الوسع في تهيئة أسباب النصر، قال تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) ْ ([19]).
كما ينبغي أن تتوافر لدى الأمة نية النصر والتشوق إلى طلوع فجر جديد والعمل لذلك والتلبس بكل ما هو خليق بأن يحدث عودة الحياة الإسلامية إلى الواقع فلو أن الأمة ملكت كل أنواع السلاح ولديها الرجال والمال، لكن لا نية لديها لبثّ فكرها ونشر مبادئها أو حتى الدِّفاع عن حياضها، فإن تلك الأعداد والعتاد لا تغني عنها شيئاً، بل تكون وبالاً بعرض صور الحلقة الأخيرة للأمم الغاشمة والظالمة، انظر إلى قوله تعالى لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ) ([20]). وقوله تعالى : (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) ([21]). وقوله تعالى ( حتى إذا استئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) ([22]).
وقال سبحانه ( ولقد مكناهم في إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) ([23]).وقال تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ([24]).
فهذه نصوص قاطعة تدل على أنَّ الأمم المتسلطة والمتجبرة ستكون عاقبتها وخيمة، وأن انهيارها سيكون سريعاً وحتمياً، وما على المسلمين إلا أن يسرعوا في انهيارها والتخلص من ظلمها وجبروتها.
ثالثاً: نصوص الكتاب والسنة تؤكد أنَّ النصر لهذا الدين:
إنَّ الحديث عن هذه النقطة بالذات تحمل المسلمين أشواقاً وآمالاً ستبقى تخيلات وأوهاماً إذا لم يحسنوا فهمها والعمل من أجلها.
بل إنَّ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة تتحدث يقيناً بأنَّ الغلبة ستكون لهذه الأمة مهما طال الليل، ومهما عظمت المؤامرة، ومهما كثر الأعداء، وإنَّ هذه الأمة هي الأمة الوحيدة التي حملت النصوص التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وحملت لها الأنباء ببقائها واستمرارها إلى قيام الساعة، بل حملت لها بشائر النصر على أعدائها وما ذلك على الله بعزيز.
لكن الذي يجب أن يُفهم أن هذه النصوص تحمل أخباراً جاءت بمعرض الطلب، أي أن النصوص حملت لنا خبراً بنصر الأمة على أعدائها، هذا الخبر سيحدث حقيقة متى تلبست الأمة بالعمل له وسعت حثيثاً لإيقاعه، فعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية، لم تفتح أبوابها أمام أول هجمة من قبل المسلمين ولا الثانية ولا الثالثة، ولم يُصب المسلمون بالإحباط والقعود، بل ازدادت المحاولات تلو المحاولات حتى فُتحت.
فالفتح لم يحدث بالتمني ولا بالأحلام، إنَّما كان حقيقة واقعة بعد قيام فعل حقيقي من قبل الأمة، وأن هذه لدعوة رائعة تشرئبُّ لها الأعناق لعودة مظفرة لهذا الدين، وعودة عز الأمة، والنصوص الواردة بهذا الشأن قوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)([25]). ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ([26]).( وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ([27]).( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) ([28]).(إلا إن حزب الله هم المفلحون) ([29]).( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين* إنهم لهم المنصورون* وإن جندنا لهم الغالبون) ([30])، (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين لتعلن علوا كبيرا* فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا* ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا* إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا* عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) ([31]).
وأما الأحاديث الواردة بهذا الشأن فمنها:
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، ولا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"([32]).
وعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرين)([33]).
وعن معاوية بن شهاب أخبرني حميد قال سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنَّما أنا قاسم ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي أمر الله)([34]).
وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة)([35]).
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثم تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله)([36]).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه شجر اليهود)([37]).
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضَّاً فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت)([38]).
وعن أبي قبيل قال: كُنا ثم عبد الله بن عمرو بن العاص، ثم سأل: أي المدينتين تُفتح أولاً القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصدوق له خلق. قال فأخرج منه كتاباً، فقال عبد الله: بينما نحن حول الرسول صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أي المدينتين تُفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مدينة هرقل تُفتح أولاً). يعني قسطنطينية([39]).
وعن ثوبان قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثم إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)([40]).
وعن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإني أُعطيت الكترين الأبيض والأحمر وإني سألت ربي عز وجل أن لا يهلك أمتي بعامة وأن لا يسلط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة وأن لا يلبسهم شيعاً وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فقال: يا محمد إنِّي إذا قضيت قضاء لا يرد وإني قد أعطيت لأمتك أن لا أهلكهم وعشرون بعامة وأن لا أسلط عليهم عدواً بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً وبعضهم يقتل بعضاً وبعضهم يسبي بعضاً)([41]).
وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكتب إلي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي، يقول: (ثم لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشرة خليفة كلهم من قريش). وسمعته يقول: (عصيبة من المسلمين يفتحون البيت الأبيض، بيت كسرى أو آل كسرى). وسمعته يقول: (إنَّ بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم). وسمعته يقول: (أنا الفرط على الحوض)([42]).
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثم لا تزال طائفة على أمتي على الدِّين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين هم ؟ قال: (بيت المقدس وأكناف بيت المقدس)([43]).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة)([44]).
وعن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيتاً ولا وبراً إلا أدخله الله هذا الدِّين بعز عزيزٍ أو بذل ذليلٍ، عزاً يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر). وكان تميم الداري يقول: "قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية"([45]).
وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي، ينزل الله عز وجل له القطر من السماء، وينبت الله له الأرض من بركتها، تُملأ الأرض منه قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يعمل على هذه الأمة سبع سنين، وينزل بيت المقدس)([46]).
ويشهد له ما جاء به ابن حبان والحاكم عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثم يكون اختلاف في موت خليفة، فيخرج رجل من قريش من أهل المدينة إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه على الركن والمقام، فيبعثون إليه جيشاً من الشام، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فإذا بلغ الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصابة أهل العراق فيبايعونه، وينشأ رجل من قريش أخواله من كلب فيبعث إليهم جيشاً فيهزمونهم ويظهرون عليهم، فيقسم بين الناس فيئهم ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض يمكث سبع سنين)([47]).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "يوشك أهل العراق أن لا يجئ إليهم قَفِيزّ ولا درهم. قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك. ثم قال يوشك أهل الشام أن لا يجئ إليهم دينار ولا مُدْىّ. قلنا من أين ذاك قال: من قبل الروم، ثم سكتَ هُنيهة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يكون في آخر أمتي خليفة يَحثي المال حَثياً لا يعده عدداً). ثم قال: "قلت لأبي نضرة وأبي العلاء : أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا"([48]).
إنَّ الناظر في هذه النصوص الشريفة نظرة ممعنة يدرك عودة مظفرة للإسلام تلوح في الأفق، وأنَّ بشائرها قريبة بإذن الله تعالى ستأتي.
يقول سيد قطب: "ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عارفاً بالحق الذي معه، معرفته بالباطل الذي عليه الجاهلية في الأرض كلها يوم ذلك، وكان واثقاً من أنَّ هذا الحق لابد أن ينتصر على الباطل، وأنَّه لا يمكن أن يوجد (الحق) في صورته هذه، وأن يوجد (الباطل) في صورته هذه ثم لا يكون ما يكون !.
كانت الشجرة القديمة قد تآكلت جذورها كلها، بحيث لا يصلها ري ولا سماد .. كانت قد خبئت بحيث يتحتم أن تجتث .. وكانت البذرة الطيبة في يده هي المُعبأة للغرس والنماء .. هذه ثم لا يكون واثقاً من هذا كله ثقة اليقين.
نحن اليوم في مثل هذا الموقف بكل ملابساته، وكل سماته، مع الجاهلية كلها من حولنا .. فلا يجوز ـ من ثم ـ أن ينقصنا اليقين في العاقبة المختومة، العاقبة التي يشير إليها كل شيء من حولنا، على الرغم من جميع المظاهر الخادعة التي تُحيط بنا ؟([49]).
إنَّ المستقبل لهذا الدِّين يعود أيضاً لاعتبارات واقعية في حياة البشر كما أسماها الدكتور عبد الله عزام ـ رحمه الله تعالى ـ([50])، هذه الاعتبارات تتضح من خلال أمرين:
الأول: قدرة المنهج الإسلامي على إيجاد الحلول لمشاكل البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور:
وفي ذلك يقول سيد قطب: "الإسلام منهج حياة، حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها، منهج يشمل التصوُّر الاعتقادي الذي يُفسِّر طبيعة (الوجود) كما يحدد غاية وجوده الإنساني.
ويشمل النظم والتنظيمات الواقعية التي تنبثق من ذلك التصوُّر الاعتقادي وتستند إليه، وتجعل له صورة واقعية متمثلة في حياة البشر، كالنِّظام الأخلاقي والينبوع الذي ينبثق منه، والأُسس التي يقوم عليها، والسلطة التي يُستمد منها، والنظام السياسي وشكله وخصائصه، والنظام الاجتماعي وأسسه ومقوماته، والنظام الاقتصادي وفلسفته وتشكيلاته، والنظام الدولي وعلاقاته وارتباطاته.
ونحن نعتقد أنَّ المستقبل لهذا الدِّين بهذا الاعتبار، باعتباره منهج حياة يشتمل على تلك المقوِّمات كلها مترابطة، غير منفصلة بعضها عن بعض المقومات المنظِّمة لشتى جوانب الحياة البشرية، الملبِّية لشتى حاجات (الإنسان) الحقيقية، المهيمنة على شتى أوجه النشاط الإنساني"([51]).
الثاني: إفلاس المناهج الوضعية في علاج مشاكل الإنسانية جمعاء وتحويل البشر إلى سلع استهلاكية:
المُلاحظ في عصرنا الحاضر أنَّ الحضارة الغربية رغم ما قدمته في عالم الماديات ما تذهل له العقول، إلاَّ أنَّها عاجزة عن تقديم أي إشباع روحي لفطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها.
يقول محمد قطب: "ولسنا نبني تفاؤلنا ـ بطريقة صبيانية ـ على التقدُّم العلمي الجبَّار الذي سيسود الحياة في المستقبل، وسيصنع الأعاجيب! ولا على دعاوى الإنسان في السيادة على البيئة والتحكُّم في الظروف والتحرُّر من العجز والتحرُّر من القيود .. إلى آخر هذه الدعاوى الفارغة التي يردِّدها كُتَّاب الغرب المفتونون وتلاميذهم في الشرق، الذين يحسبون أنفسهم من (الرُّواد) حين يلوكون هذه الأقاويل .. فقد رأينا من شهادة (أليكس كاريل) أنَّ التقدُّم العلمي ذاته ـ على خطوطه الحالية ـ هو الذي سيسرع بالناس إلى العودة للبربرية والهمجية، وأنَّ تحكُّم الإنسان في البيئة وسيادته عليها ـ بتصوُّراته الحالية ـ هو ذاته الذي يجعله ينشئ حضارة لا تلائمه، وتؤدِّي به إلى الدَّمار، وإنَّما نبني تفاؤلنا على الواقع السيئ الذي تعيشه البشرية اليوم في ظل الحضارة الغربية! والذي يأخذ طريقه إلى الازدياد! فهذا الواقع السيئ هو الذي سيهدي البشرية إلى الصواب!"([52]).
ويقول أبو الحسن الندوي: "وقد حاول رجال الإصلاح والدِّيانة أن ينفخوا في هذه الأمم حياة جديدة، ويبنوا فيها روح الأخلاق والفضيلة والأمانة والاقتصاد، فأخفقوا إخفاقاً تاماً، وعلموا أنَّ خلق أُمَّة بأسرها أهْوَن مِنْ إصلاح هذه الأُمم وتهذيبها، وقد انقطعت مادَّتها، وانقضى أجلها. وهكذا أصبح العالم شرقاً وغرباً في أزمة روحية وخُلُقية واجتماعية واقتصادية تطلب حلاً سريعاً عاجلاً"([53]).
إذن ما العمل ؟ !
لتعلم الأُمَّة الإسلامية أنَّ المستقبل لها وأنَّ هذا الدِّين ستعود له القيادة الفكرية في العالم، فإذا لم تعِ الأُمة الإسلامية هذا الدَّور العظيم الذي لابد له من حملة، فإنَّ سُنن الله في التغيير ستجري علينا لا محالة.
يقول سبحانهإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ([54]).( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) ([55]).( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) ([56]).
فإن كان المستقبل لنا فلماذا لا نسعى إليه حثيثاً بخطى واثقة مطمئنة ؟
ولا يمكن أن تعود الأُمَّة الإسلامية إلى سابق عهدها وإلى مجدها التَّليد إلاَّ بشرطين:
[1] وجوب العمل لقيام دولة الخلافة.
[2] وجود مشروع النَّهضة الإسلامية الحديثة.
[1] وجوب العمل لقيام دولة الخلافة:
إنَّ العمل من قِبَل المسلمين لقيام دولة الخلافة، ليس في أولوياتهم التي تقض المضاجع، بل إنَّ الوعي على الخطر المُحْدِق بالمسلمين لعدم وجود دولة إسلامية ترعى مصالحهم وشئونهم يكاد يكون معدوماً، ولذلك يجب على المسلمين أن يكون في فكرهم وشعورهم العمل لتحقيق قيام دولة الخلافة والتي هي أولى أولويات المسلمين في عصرنا الحاضر.
إنَّ نصوص الكتاب والسُّنَّة تظاهرت في بيان فرضية العمل لقيام دولة الخلافة، وتعتبرنا آثمين مُقصِّرين، نستحق الوعيد الشديد في الآخرة والخزي والذلة في الحياة الدُّنيا إذا لم نقم بواجبنا في القيام بالفرض الكفائي الذي أوجبه علينا ربنا.
يقول سبحانه) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ([57])، ويقول سبحانهإنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) ([58])، ويقول سبحانهوليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) ([59]).
وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والطاعة حقٌ ما لم يُؤمر بالمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)([60]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصِ الأمير فقد عصاني، وإنمَّا الإمام جُنَّة يُقَاتَل من ورائه ويُتَّقى به، فإنْ أمر بتقوى الله وعَدَلَ، فإنَّ له بذلك أجراً، وإنْ قال بغيره، فإنَّ عليه منه)([61]).
ولا يُتصوَّر طاعة من غير خلافة ولا خليفة.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)([62]).
إذن يجب على المسلمين أن يسعوا لأن تكون هنالك بيعةً في أعناقهم، وإلاَّ ماتوا ميتة الجاهليين.
قال إمام الحرمين: "إنَّ الإمام زمام الأيام وشرف الأنام، والغرض من نصبه انتظام أحكام المسلمين والإسلام"([63]).
قال الماوردي: "الإمامة موضوعة لخلاف النُّبوة في حراسة الدِّين وحراسة الدُّنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأُمَّة واجب بالإجماع، وإنْ شذَّ عنهم الأصم"([64]).
وقال القلقشندي: "الخلافة هي حظيرة الإسلام ومحيط دائرته، بها يُحفظ الدِّين ويُحمى، وتُصان بيضة الإسلام، وتسكن الدهماء، وتُقام الحدود"([65]).
قال ابن تيمية([66]): "يجب أن يُعرف أنَّ ولاية أمر النَّاس من أعظم واجبات الدِّين، بل لا قيام للدِّين إلاَّ بها، فإنَّ بني آدم لا تتم مصلحتهم إلاَّ بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا خرج ثلاثة في سفر فليُؤمِّروا أحدهم)([67])، فأوجب تأمير الواحد في الإجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الإجتماع، ولأنَّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة"([68]).
من هنا كان لزاماً على المسلمين في حاضرنا أن يسعوا جاهدين وبكل ما أوتوا من قدرة وطاقة لاستئناف الحياة الإسلامية، لكن ما نراه في الواقع من المسلمين ـ إلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبِّي ـ إنَّهم تخلوا عن منهجهم الرباني متأثرين بالضغط الهائل والزحف المخيف للأنظمة الوضعية، ولو حصلت القطيعة بين الحياة والدِّين، وأسلم النَّاس زمام عبوديتهم لغير الله، أصبح كثير ممن يدَّعون حمل الإسلام يعتذرون عن دينهم بمناسبة وغير مناسبة. لكن ديننا ليس كذلك !.
يقول سيد قطب: "ليس من طبيعة (الدِّين) أن ينفصل عن الدُّنيا، وليس من طبيعة المنهج الأهلي أن ينحصر في المشاعر الوجدانية، الأخلاقيات التهذيبية، والشعائر الوجدانية، أو في ركنٍ ضيِّقٍ من أركان الحياة البشرية .. ركن ما يُسمُّونه (الأحوال الشخصية).
ليس من طبيعة (الدِّين) أن يفرد الله ـ سبحانه وتعالى ـ قطاعاً ضيِّقاً في ركنٍ ضئيلٍ ـ أو سلبي ـ في الحياة البشرية، ثم يسلم سائر قطاعات الحياة الإيجابية العملية الواقعية لآلهة أخرى وأرباب متفرقين، يضعون القواعد والمذاهب، والأنظمة والأوضاع والقوانين والتشكيلات على أهوائهم، دون الرجوع إلى الله !.
ليس من طبيعة (الدِّين) أن يشرع طريقاً للآخرة، لا يمر بالحياة الدنيا ! طريقاً ينتظر النَّاس في نهايته فردوس الآخرة عن غير طريق العمل في الأرض، وعمارتها والخلافة فيها عن الله، وفق منهجه الذي ارتضاه !
ليس من طبيعة (الدِّين) أن يكون هذا المسخ الشائه الهذيل! ولا هذه الألعوبة المُزوَّقة التي يلهو بها الأطفال! ولا هذه المراسيم التقليدية التي لا علاقة لها بنُظُم الحياة العملية !.
ليس من طبيعة (الدِّين) ـ أي دين فضلاً عن دين الله ـ أنْ يكون هذا العبث الممسوخ الهزيل .. فمن أين إذن جاءته هذه السلبية الهازلة؟ وكيف إذن وقع ذلك (الفصام النكد) بين الدِّين والحياة؟.
لقد تم ذلك (الفصام النكد) في ظروف نكدة! وكانت له آثاره المُدمِّرة في أوروبا .. ثم في الأرض كلها، حين طغت التصوُّرات الغربية والأنظمة الغربية على البشرية في مشارق الأرض ومغاربها([69]).
إذن يجب على المسلمين أن يعيدوا الإسلام واقعاً في حياتهم، ويحملونه للعالم أجمع، ولا يمكن لأي عمل أنْ يكون ناجحاً إلاَّ أنْ يكون جماعياً، وعلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الدولة، والقدرة الهائلة في الابتكار في الوسائل والأساليب، فهذه شروط أرى أنها الموصلة إلى إخراج المسلمين مما هم فيه، ويمكن أنْ نوجز الحديث عنها كما يلي:
[1] أن يكون جماعياً:
فالعمل الفردي لا يمكن أنْ يكون منتجاً نتائج حاسمة في تاريخ الأمة، ولذلك نجد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم بُعث فيه بدأ في تكوين جماعة على طراز رفيع ومُتميِّز من التنظيم الدقيق، والعمل المتفاني والتهيؤ لقادم الأيام من الصَِّراع والكفاح السياسي.
إنَّ الله تعالى ناصر نبيه(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله لقوي عزيز)([70])، لكنَّه لم يقعد حتى يأتيه النصر ـ والله قادر على ذلك ـ وإنَّما قام من فوره يؤسِّس للجماعة الأولى ويُعد شخصيات كانت مضرب المثل على مدى الزمان، والنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأُسوتنا، وفعله تشريع يجب علينا اتِّباعه.
يقول الدكتور هشام الطالب: "هناك من يدَّعي أنَّ غالبية شعوب العالم الإسلامي لا تعرف الجد في العمل وهذا سبب فشلها، ولكن قولنا في المسلمين المخلصين الذين يعملون بكل جد، ما بالنا نرى معظمهم غير منتجين؟ إنَّ مشكلة هؤلاء هي مشكلة توجُّهات وميول، وافتقاد روح الفريق في العمل، وانحراف منهج التفكير، فقد ترى أفراد المجموعة الواحدة يؤدُّون أعمالهم بكل جد، لكن في اتجاهات متعارضة، الأمر الذي يجعل محصِّلة جهودهم النهائية أقرب إلى الصفر، بل تكون محصِّلة سالبة في بعض الأحيان.
إنَّ لكل عمل إسلامي مقداره واتجاهه...، فإذا لم يتوافق عمل فرد ما مع عمل غيره توافقاً وثيقاً وفي إطار خطة واضحة مع وضوح اتجاه العمل، فإنَّ النتيجة ستكون محدودة رغم الجهود الكثيرة التي تبذل في ذلك"([71]).
ويقول سيد قطب: "لا بد لهذه المحاولة الجدية أنْ تتمثَّل في تجمُّع عُضوي حركي أقوى في قواعده النَّظرية والتنظيمية، وفي روابطه وعلاقاته ووشائجه من ذلك المجتمع الجاهلي القائم فعلاً. ولكن الإسلام لم يكن يملك أنْ يتمثَّل في نظرية مجرَّدة يعتنقها من يعتنقها اعتقاداً ويزاولها عبادة، ثم يبقى معتنقوها على هذا النحو أفراداً ضمن الكيان العضوي للتجمُّع الجاهلي القائم فعلاً، فإنَّ وجودهم على هذا النحو مهما كَثُرَ عددهم، لا يمكن أنْ يؤدِّي إلى وجود فعلي للإسلام، ومن ثمَّ لم يكن بداً أنْ تتمثَّل القاعدة النَّظرية للإسلام (أي العقيدة)، في تجمُّع عضوي حركي منذ اللحظة الأولى"([72]).
[2] أن يكون على منهج وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الدولة والوصول إليها:
يقول أبو الأعلى المودودي: "الإسلام في الحقيقة هو عبارة عن الحركة التي نريد بناء صرح الإنسانية بأسرها على حاكمية الله الواحد الأحد، وهذه الحركة جارية على سنن واحد منذ أقدم عصور التاريخ، وقادتها هم صفوة رجال الإنسانية المُلقَّبون بُرُسل الله، فإنْ أردنا القيام بهذه الحركة والعمل على تيسيرها، فلا بُدَّ لنا من اتِّباع هؤلاء القواد وقَفْوِ آثارهم، لأنَّه ليس ولا يمكن أنْ يكون هذا النوع من الحركة من برنامج عملي غير ذلك"([73]).
وعليه فإنَّ طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في الوصول إلى الدولة واجبة الاتِّباع، فهي جزء من الحكم الشرعي لا تنفصل عنه، ولتوضيح ذلك فإنَّ الأحكام الشرعية التي جاءت من عند الله تعالى لا يمكن معرفة كيفية أدائها إلاَّ بعد ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم بأدائها وبيان الكيفية التي تُؤدَّى بها.
وتتلخَّص طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في الوصول إلى الدولة في الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: الإعداد؛ أي إعداد شخصيات إسلامية تستوعب الفكرة، قادرة على إيصالها إلى النَّاس، وعندهم القدرة على تحمُّل تَبِعَات الخطوة التالية.
الخطوة الثانية: الصِّراع الفكري، أي نشر الفكرة الإسلامية وبيان فساد معتقدات الغير، ولا شكَّ أنَّ هذا سيُولِّد صراعاً فكرياً بين الفريقين ينتهي بإقناع الطرف الثاني، أو إيقاع الأذى بالطرف الأول، وفي هذه الحالة يجب على المسلمين أن يتحلوا بالصبر والعمل على إيجاد وسائل من شأنها إقناع الخصم ولا شك أن الأذى ستتصاعد وتيرته، وعلى المسلمين أن ينتقلوا إلى الخطوة الثالثة.
الخطوة الثالثة: طلب النُصرة، أي العمل على تلمُّس مراكز القوة والجماعات التي تقوم بدورها في حمل الدعوة وحمايتها وإيصالها إلى بر الأمان، وإلى الغاية المنشودة في قيام الدولة.
[3] الابتكار والتحديث في الوسائل للوصول إلى أفضل النتائج:
إنَّ أخطر ما ابْتُلِيَ به المسلمون فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات هو أمران: الأول: عدم التفريق بين الوسائل والأساليب والأحكام الشرعية والخلط الشديد بينهما.
فالوسائل والأساليب ترجع إلى إبداعات العقل فيما يتعلق بأمور في الدُّنيا ويمكن الاستفادة من أي وسيلة أو أسلوب استخدم في العالم، فالحكمة ضالة المؤمن، أمَّا الأحكام الشرعية فهي وحيٌّ من الله تعالى ولا يجوز أنْ نأخذ أي أحكام أو قوانين أو معالجات لأي مسألة في واقعنا من غير الوحي.
فمثلاً، اعتبر كثير من الناس أنَّ طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوصول إلى الدولة من الوسائل والأساليب.
إنَّ التطوُّر الهائل في العلوم التجريبية وتَسارُع وتيرة التقدُّم العلمي يُقدِّمان لحملة الإسلام أكبر قدر ممكن من التخاطب، والاتصال الحي والفعال بالأمة، كما أنَّ الدِّراسات حول التنمية البشرية والإفادة من القدرات العقلية والبدنية للإنسان توفر مادة أخرى في سبيل الإفادة من تطوير وابتكار وسائل وأساليب من شأنها أنْ تسرع في النهضة المنشودة.
يقول فتحي يكن: "والحقيقة التي لا جدال فيها أنَّ المناهج والأساليب المعتمدة لدى الحركة الإسلامية دون مستوى القدرة على تكوين شخصية إسلامية هذه ملامحها ومواصفاتها"([74]).
ويقول الدكتور هشام الطالب: "إنَّ الغرب لديه بضاعة رديئة يتولى عرضها باعة مهرة، ولدينا بضاعة ممتازة يتولى عرضها باعة خائبون"([75]).
ثانياً: مشروع النَّهضة الإسلامية الحديثة:
ُقصد بالنَّهضة نقل الأُمَّة الإسلامية من حالة الانحطاط والتخلُّف والتشرذُم، إلى حالة الارتقاء والارتفاع والوحدة، أي بعبارة أُخرى نقل الأُمَّة من حالة التخلُّف عن الإسلام إلى حملِهِ والموت في سبيله، لأنَّه لا نهضة حقيقية بغير الإسلام.
إنَّ جهود العاملين للإسلام ينبغي أنْ تتركَّز للعمل المستقبلي لتغيير الحالة التي يعيشها المسلمون، والنُّهوض بهم نهضة صحيحة منتجة، لينطبق عليهم قوله تعالىكنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) ([76]).
يقول الدكتور عبد الحميد أبو سليمان: "إنَّ إمكانية التغيير في كيان الأُمَّة، تكمن في العمل المستقبلي، وإعداد النَّاشئة نفسياً وفكرياً على أُسس سليمة، تُعدُّها لأداء دورها الحضاري بعد أنْ يكتمل تكوينها، فإذا أدَّى جيل اليوم دوره في الإعداد لتكوين جيل المستقبل، فقد نجح في أداء دوره، أمَّا إذا ظنَّ في نفسه القدرة على الأداء الصحيح، فإنَّه بهذا يخطئ الهدف ويستنزف الطاقة المحُددة المتوفِّرة للجيل، بسبب أخطاء تكوينه النفسي والتي يبدو أنَّه ليس بالإمكان تغييرها في هذه المرحلة إلاَّ في حدود ضيِّقة لا تؤهل لإخراج الأُمَّة من أزمتها.
إنَّ أهمية دور الجيل هي بالدرجة الأولى في العمل والإعداد المستقبلي وتهيئة المنطلقات السليمة والوسائل المناسبة لإعداد أبناء الأجيال المُقبلة"([77]).
وعليه فإنَّ مشروع النَّهضة الإسلامية الحديثة للأُمَّة لا بُدَّ أنْ يقوم على الركائز الآتية:
[1] لا بُدَّ أنْ يقوم على فكرة (العقيدة الإسلامية)، وتنبثق عن الفكرة أنظمة وقوانين وأحكام شرعية، وهنا ينبغي أنْ تُقدَّم العقيدة صافية نقية لا غبش فيها ولا تعقيد، يفهمها الصغير والكبير والعالِم والعامِّي، وأنْ تُقدَّم بأسلوبها القرآني، وببساطة عرضها من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبفهم المسلمين الأوائل.
يقول فتحي يكن: "ومن شرائط هذه الفكرة أنَّ الفهم للإسلام، والدَّعوة إليه، والحاجة فيه، مبنيَّة على عمق التصوُّر، وكُليِّة النَّظر، ووضوح الرؤية، ومن شرائطها كذلك أنْ تكون المواجهة مع الجاهلية قائمة على دراسة مُسْبَقة، ومركَّزة لأفكار هذه الجاهلية ومبادئها ووسائلها واستراتيجيتها"([78]).
[2] نشر الفكر الذي يقوم عليه المشروع عن طريق الاتصال الحي بالأشخاص المؤثِّرين مما يُحْدِثُ رأياً عامَّاً وعارماً في الأُمَّة، يكون ناتجاً عن وعيٍ عام.
يقول مصطفى مشهور: "فهذا التغيير وهذه النوعيات من رجال العقيدة ومن البيوت المسلمة المؤسسة على التقوى والرأي العام الإسلامي، كل ذلك يمثِّل القاعدة الصلبة والأساس المتين ليقوم عليه الحكم الإسلامي والدولة الإسلامية إنْ شاء الله"([79]).
[3] تبنِّي مشروع النَّهضة من قِبَل الأُمَّة التي تُدافع عن المشروع، ويكون ذلك بإحداث وعي، وحينئذٍ تتحوَّل الفكرة إلى مطلب لجماهير الأُمَّة، وساعتئذٍ يحدث الجّو الإيماني، أي بفكر ينبثق عنه عمل مربوط بغاية.
يقول أبو الأعلى المودودي: "فهناك تنجذب إلى هذه الدَّعوة أفئدة الذين يوجد فيهم شيء من الخير والصلاح، وأمَّا أصحاب الطباع الفاسدة والذين في قلوبهم مرض ممن يتبعون الأهواء والشهوات فسوف تختفي أصواتهم ويضمحل نفوذهم شيئاً فشيئاً بإزاء تيار الحركة الجارف وسيرها الحثيث، وهكذا يحدث انقلاب عظيم في أفكار العامة وتتعطش الحياة الاجتماعية إلى هذا النِّظام المخصوص من الحكم وهنا لا يستطيع أنْ يحيا في هذا المجتمع الثائر نظام آخر غير النِّظام الذي أُعِدَّتْ له المُعِدَّات، وتهيَّأت له العوامل.
ولا يخفى على من له إلمام بتاريخ الانقلابات والتطوُّرات في الأمم قديماً وحديثاً أنَّ كل أنواع الانقلابات يستدعي حركة وزعامة وعمالاً وشعوراً اجتماعياً وبيئة خلقية تلائمه، كذلك شأن الانقلاب الإسلامي فإنَّه لا تثمر شجرته ولا تُؤْتِي أكلها إلاَّ إذا قامت حركة شعبية على أساس النَّظريات والأحكام القرآنية ودعامة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسننه الظاهرة تقوم هذه الحركة الشعبية وتستنهض وتقوى حتى تغير بجهادها المستمر العنيف أُسس الجاهلية الفكرية والخلقية والنفسية والثقافية السَّائدة في الحياة الاجتماعية وتأتي بنياها من القواعد".
أهم النتائج
[1] أنَّ حالة الانحطاط التي يعيشها المسلمون ـ والتي لا يختلف فيها اثنان ـ سبَّبتْ حالة من الإحباط لدى جمهور المسلمين بل وصلت إلى بعض العاملين في الحقل الإسلامي.
[2] إنَّ اليأس والقنوط الناتجان عن حالة الإحباط لا مكان لهما في ديننا الإسلامي.
[3] تحدَّثت نصوص الكتاب والسنة عن مستقبل مشرق وضَّاء للمسلمين، شريطة أخذهم بأسباب النصر التي ذكرناها.
[4] إنَّ النصوص الواردة بالبشارة بالنصر والتأييد لهذا الدِّين، هي أخبار جاءت بمعرض الطلب، يجب على المسلمين أن يتلبسوا بالعمل لها إذا أرادوا النَّهضة.
[5] إنَّ النَّهضة الحقيقية لا يمكن أنْ تحدث إلاَّ بمشروع حقيقي غاية في الدِّقة والتخطيط السليم والإبداع في الوسائل والأساليب، بعيد عن الارتجال والتأثُّر برِدَّات الفعل المعاكس التي يحدثها أعداء الأمة للحَيْد عن الطريق الصحيح.
[6] إنَّ الوعاء الذي يحفظ كيان الأمة ويحفظ لها دينها هو الدولة، فيجب على المسلمين أنْ يسعوا جادِّين إلى إقامتها على منهاج النبوة.
أهم التوصيات
[1] نوصي بالعمل على ربط المناهج التعليمية في مدارسنا وجامعتنا بالفكر الإسلامي، وتنقية وتصفية كل ما هو دخيل والحيلولة دون الغريب من الأفكار الهدَّامة.
[2] نوصي العاملين في الحقل الإسلامي بضرورة نبذ الخلافات وتجميع الصفوف، فالغاية واحدة وينبغي أن لا تكون الطرق متفرقة.