أنواع الحديث باعتبار عدد رواته
تتنوع
الاعتبارات التي يمكن تقسيم الحديث النبوي بالنظر إليها، ورغم تأخر ظهور
تلك التقاسيم والأنواع أو بالأحرى مسمياتها وألقابها، إلا أن معرفتها صارت
ضرورية لكل مشتغلٍ بالحديث النبوي الشريف أو محبٍّ له، وحسبنا أن نقف هذه
المرة مع أنواع الحديث باعتبار عدد رواته؛ إذ هو بهذا الاعتبار ينقسم إلى:
متواتر وآحاد، وكل منهما ينقسم إلى أقسام نفصلها فيما يلي.
أولا: الحديث المتواتر
المتواتر: هو ما
رواهُ جمعٌ تُحيلُ العادةُ تواطؤهم على الكذبِ عن مثلهم من أولِ السندِ إلى
آخرِهِ، أو: هو ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو صدوره منهم
اتفاقا من غير قصد ويستمر ذلك من أوله إلى آخره، ويكون مرجعه إلى الحس من
مشاهد أو مسموع أو نحوهما، وهو بذلك يفيد العلم اليقيني القطعي الضروري،
وله قسمان:
الأول: متواتر لفظي: وهو ما تواتر لفظه ومعناه، مثل حديث: (مَن كذبَ عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعدَهُ منَ النَّارِ)
متفق عليه، فقد رواه أكثر من سبعين صحابيًّا، وهذا الحديث متواتر باتفاق
جميع أئمة الحديث، ولذلك فهو في أعلى درجات الصحة، وهناك أحاديث أخرى مختلف
في تواتر ألفاظها، مثل حديث: (الأئمة من قريش)، وحديث: (من بنى لله مسجدا)، وحديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وغير ذلك.
الثاني: متواتر معنوي:
وهو ما تواتر معناهُ دونَ لفظه، مثل أحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد ورد
نحو مائة حديث في قضايا مختلفة، والجامع بينها: "رفع اليدين عند الدعاء"،
وهذا الحديث متواتر باتفاق جميع أئمة الحديث، وهناك أحاديث أخرى مختلف في
تواترها معنويا، مثل أحاديث الحوض والشفاعة والمسح على الخفين، وأحاديث رفع
اليدين في الصلاة للإحرام والركوع والرفع منه، وحديث رؤية الله عز وجل في
الآخرة، وغير ذلك.
ثانيا: الحديث الآحاد
وأما الآحاد: فهو ما
لم يكن متواتراً، أو: ما لم يبلغ حد التواتر، وخبر الآحاد: هو ما لم تجتمع
فيه شروط المتواتر، فيشمل ما رواه واحد في طبقة أو في جميع الطبقات، وما
رواه اثنان في طبقة أو في جميع الطبقات، وما رواه ثلاثة فصاعدا ما لم يصل
إلى عدد التواتر، وله ثلاثة أقسام:
الأول: المشهور:
وهو ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة ولم يبلغ التواتر، أي ما رواه ثلاثة
فصاعدا ولم يصل إلى حد التواتر، وهذا هو المراد بالشهرة عند المحدثين، وسمي
بذلك لوضوحه وظهوره، وسماه جماعة من الفقهاء: "المستفيض" لانتشاره.
والمشهور يكون صحيحا
وحسنا وضعيفا على حسب أحوال وصفات رواته، والمشهور منه ما هو مشهور بين
أهل الحديث خاصة, ومنه ما هو مشهور بين الفقهاء والأصوليين، ومنه ما هو
مشهور بين المحدثين وغيرهم من العلماء والعامة، وقد يطلق المشهور لغةً على
ما اشتهر على الألسنة، فيشمل المشهور في الاصطلاح وما ليس له إلا إسنادان
وما ليس له إلا إسناد واحد؛ بل يطلق على ما لا يوجد له إسناد أصلا، وهو ما
لا أصل له.
مثال المشهور على اصطلاح أهل الحديث وهو صحيح حديث: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد..) رواه الشيخان، ومثال المشهور وهو حسن حديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه أحمد والطبراني وغيرهما, وقال الإمام المزي: "إن له طرقا يرتقي بها إلى رتبة الحسن"، ومثال المشهور وهو ضعيف حديث: (الأذنان من الرأس) كما قال الإمام الحاكم.
ومثال المشهور بين أهل الحديث خاصة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على رعل وذكوان وعصية" أخرجه الشيخان في صحيحهما.
ومثال المشهور عند الفقهاء وهو صحيح حديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) رواه الحاكم وصححه، ومثال المشهور وهو حسن حديث: (من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة) رواه الترمذي وحسنه، ومثال المشهور وهو ضعيف حديث: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) رواه أحمد والحاكم, وضعفه حفاظ الحديث.
ومثال المشهور عند الأصوليين حديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) صححه ابن حبان والحاكم بلفظ: (إن الله وضع... ).
ومثال المشهور عند أهل الحديث والعلماء حديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه, فقد رواه في كل طبقة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أكثر من ثلاثة.
الثاني: العزيز: هو ما رواه اثنان في كل طبقة، أي ما لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين وهكذا، وقد يزيد في بعض طبقاته كما ذكر الحافظابن حجر.
ومثال العزيز ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة، والشيخان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين), فقد رواه من الصحابة أنس وأبو هريرة رضي الله عنهما، ورواه عن أنس اثنان: قتادة، وعبد العزيز بن صهيب، ورواه عن قتادة اثنان: شعبة وسعيد، ورواه عن عبد العزيز اثنان: إسماعيل بن علية وعبد الوارث، ورواه عن كل منهما جماعة.
الثالث: الغريب: هو ما رواه راوٍ واحد فقط، أي الذي تفرد بروايته راو واحد في كل الطبقات أو بعضها.
ومثال الغريب حديث عمر رضي الله عنه مرفوعا: (إنما الأعمال بالنيات ...) فهو حديث فرد غريب في أوله، مستفيض في آخره، وهو صحيح.
ثم الغريب إما أن
يقع التفرد به في أصل السند -وهو طرفه الذي فيه الصحابة-، أو لا يكون كذلك،
بأن يكون التفرد في أثنائه، كأن يرويه عن الصحابة أكثر من واحد، ثم يتفرد
بروايته واحدا وأكثر.