محاضرة حجةالإسلام والمسلمين سماحة الشيخ بناهيان في جمع طلاب جامعة للعلوم الطبية:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا وحبيبناأبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، لاسيما الحجةروحي وأرواح العالمين له الفداء.

لنقف عند إنجاز النبي الأعظم (ص)

نحن قد نحب أحدا ولكننا قد لا نعتبره في غاية الكمال. نحن نحترم نبيناونحبه، ولكن كم نعرف إنجازه العظيم؟ ما هو تقييمنا تجاه أثر رسالة رسولالله؟ أنتم تعلمون أن المجتمع الإسلامي اليوم يمثل أثر رسالة رسول الله فيالعالم. صحيح أن هذا المجتمع يعيش بعد أربعة عشر قرن من حياة رسول الله،ولكن لا بأس بذلك.
قد نجد في هذا الأثر، أي الحضارة الإسلامية في هذا الزمان كثيرا منالنواقص والثغرات التي لا نحمّل مسؤوليتها على رسول الله بطبيعة الحال. بلنحن نتحمل مسؤوليتها ونلقي اللوم على أنفسنا. ولكن بغض النظر عن أنواعالقصور والتقصيرات التي تعاني منها الأمة الإسلامية، نريد أن نقيّم هذهالأمة وهذه الحضارة التي هي تمثل أثر رسول الله في هذا العالم.
لا شك في أننا نحب رسول الله، ولكن أنا بصفتي فردا من هذه الأمةالإسلامية لا أرى من الجميل أن نحبّ رسول الله ونكرمه بلا أن نشعر بعملهالعظيم وأثره الإيجابي في العالم.
أريد أن أقف عند هذا السؤال وأسألكم لماذا تكرّمون النبي أيها المسلمون؟فإن لم يكن هذا النبي «النبيَّ الأعظم» فمن الأفضل أن لا تكرموه؛ إذ لافائدة من هذا الإكرام والاحترام.
لا أريد في هذه الجلسة أن أتطرق إلى أبعاد وجود هذا الإنسان العظيم ولاأريد أن أتحدث عن شخصية الرسول، ولنضع كل فضائل أصحابه المنتجبين على جانب،كما لا أريد اليوم أن أتحدث عن فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومنتربّى على يديه. كما لا أريد أن أشير إلى حديث النبي وعظمة معرفته وعلمهوأن جبرئيل الأمين كان تلميذ تلميذه... فلا نريد أن نتحدث في هذه الليلة عنشخصية الرسول، بل نريد أن نقيّم أثر فعل الرسول بكل جرأة وجسارة. نريد أننقيّم الأمة الإسلامية الحاضرة اليوم، بغض النظر عن الخلفيات التاريخية.
إن هذه الأمة الإسلامية هي بقيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مهماتلكأت في عملها بالإسلام ومهما اختلفت بينها في آرائها ومواقفها ومهماقصّرت في امتثال أوامر رسول الله. كما هي تعترف بذلك ولا تبرئ نفسها عن كلذلك. ولكن مع كل هذا، هل أن تقييم الأمة الإسلامية يعتبر تقييم إنجاز رسولالله أم لا، وإن صدق على هذا التقييم أنه تقييم لرسالة رسول الله في نفسالوقت، فيا ترى ما هي النتيجة التي سوف نصل إليها بعد التقييم؟

كيف نقيم الحضارة الإسلامية بالنسبة إلى الحضارة الغربية؟

دعوني أن أطرح السؤال بمزيد من الجرأة والصراحة؛ هناك حضارتان في العالمأحدها الحضارة الإسلامية مع كل ما يصحبها من نواقص وثغرات واختلافات،والأخرى هي الحضارة الغربية. أما باقي الحضارات فقد انقرضت كحضارة فراعنةمصر أو حضارتي إيران والروم المعاصرتين للنبي (صلى الله عليه وآله)، أو علىأعتاب الانقراض كالشيوعية.
نريد أن نقيّم الحضارة الإسلامية اليوم بالنسبة إلى الحضارة الغربية. وقبل أن نبدأ بالتقييم بودّي أن أصعّد من حساسية هذا البحث. إن هذه الأمةالإسلامية منتسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فإن لم تستطع هذه الأمةأن تسبق الحضارة الغربية من خلال عملها بالحدّ الأدنى من تعاليم الإسلام،هنا يرد إشكال على النبي ورسالته! وأنا لا أريد أن أغض الطرف عن هذاالموضوع بسبب احترامي لعظمة رسول الله، إذ أتوقّع من هذا الرسول أن تكونأمته وحضارته على رأس باقي الحضارات.
عندما نشاهد الثغرات والنواقص بل الانحطاط في الأمة الإسلامية، عادة مانبرّر هذه المسائل بضعف المسلمين وتقصيرهم في مجال العمل بالإسلام، فنلومأنفسنا وننزه ساحة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم). طبعا هذا كلهصحيح، ولكن لا شك في أن الرسول (ص) قد ورّثنا الحد الأدنى من رسالته،فلماذا لم يتمّ تخطيط استراتيجية الرسالة على أساس أن نسبق الأمم والحضاراتدائما فيما إذا طبقنا الحدّ الأدنى من الرسالة وألفباء مفاهيم الإسلام؟ويا ترى هل نحن الآن قد سبقنا الآخرين، أم تأخرنا عنهم قليلا، أو سنسبقهمفي المستقبل، فما هو مستوانا اليوم؟
أرجو أن تقارنوا بين الحضارة الإسلامية اليوم مع كل خصائصها وصفاتها،وبين الحضارة الغربية التي شيّدت أركانها على أساس الأومانيزم ومحوريةالإنسان، ثم اعطوني النتيجة؛ حيث إني بحاجة إلى روحية عالية في الحياة،وكذلك بحاجة إلى تعريف هويتي. فبغض النظر عن الاحترام الذي أحمله تجاه هذاالنبي العظيم، بودي أن أجد أثر رسالته في نفسي وفي الحضارة التي أنتميإليها، فإن شعرت بذلك يحدث تحول عظيم في حياتي.

لا نريد أن نرجع إلى التاريخ

بودّي أن أشير إلى مقدمة قبل طرح الجواب وهي أنه كلما جرى الحديث عنالحضارة الإسلامية ينجرّ الحديث مباشرة إلى تاريخ الحضارة الإسلامية، ولكنهنا لا نريد إن نرجع إلى الوراء وننظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية. نعم، فيالزمن الذي كانت الأمة الإسلامية تشهد عشرات بل مئات العلماء والمفكرين،كان الأوروبيون يتقاتلون فيما بينهم، ولكن ليس هذا بحثنا. حيث لا أريد أنأقارن بين تاريخ الأمة الإسلامية وتاريخ الحضارة الغربية، بل إني بصددالمقارنة بين هاتين الحضارتين في هذا الزمان. كيف أقتنع بأننا كنا متقدمينعلى جميع العالم، أما اليوم فقد تأخرنا عنه؟ لماذا لم يسيطر عليّ الإسلامولم يمنعني من الانحطط؟!

الجواب الغلط والمشهور

في البداية أذكر الجواب الغلط والمشهور. لقد اشتهر عن السيد جمال الدينالأفغاني أو أحد تلامذته أنه قد سافر في رحلة إلى أوروبا في أواخر أيامالدولة العثماينة وفي بداية تقسيم البلد الإسلامي إلى دويلات وبداية تشكيلالشرق الأوسط الجديد على أساس ما هو عليه الآن، يعني في أوج ضعف البلدانالإسلامية.
فقال حينئذ: ذهبت إلى الغرب فوجدت الإسلام بلا مسلمين وذهبت إلى بلادالإسلام فوجدت مسلمين بلا إسلام. هل قد سمعتم هذه الجملة؟! يعني ذهبت إلىالغرب فوجدت النظم والترتيب هناك، وجدت المثابرة والعزم هناك، أو مثلا وجدتالصدق هناك، لا أدري ماذا وجد هناك.
ولكن على أي حال فهذا الحديث يرتبط بزمن أفول الحضارة الإسلامية على أساسما اشتهر منه. ويقال هذا الكلام اليوم بصيغ وعبارات أخرى. يقال صحيح أنالغرب ضعيف في إيمانه وصحيح أنه يظلم الآخرين وصحيح أن ثقافته ثقافةالابتذال والفساد ولكن ينبغي أن نراعي الإنصاف إذ أن ثقافتهم في مراعاةقوانين المرور في الشوارع جيدة ولا تتسابق السيارات في الشوارع جزافا، ثمإداراتهم منضبطة ولا يحتاج الناس للكذب على بعض ويصدقون في تعاملهم مع بعض،كما أن جامعاتهم لا تعاني من قلة ميزانيتها ولهم ميزانية وأموال كافيةلإجراء الدراسات والتحقيقات، أما في بلداننا لابدّ أن نصرخ ونستغيث في سبيلأن تمشي الأمور في مجاريها... أما في الغرب يشعر الإنسان أن الأمور كلهاحسب الأصول وفي محلها.
طبعا إني قد ذكرت لكم الجواب المتعادل لا المتطرف. وإلا فهناك أجوبة أخرىمتطرفة من قبيل أنهم قد سبقونا بسبب عدم تديّنهم، أو أنهم تطوروا بسببتحررهم عن الصلاة والحجاب، أو أن حركتهم إلى التطور أصبحت أسرع وأسهل منابسبب تحرّرهم عن القيم الأسرية... هذا كلام متطرف جدا ويختصّ بالمتغربينولا أطرحه هنا.
الكلام الذي أريد أن أقف عنده وأناقشه هو هذا القول المتعادل الذي يخاطبالحضارة والثقافة والأمة الإسلامية ويقول لها: إنكم تكذبون على بعض كثيرا،إن شوارعكم بلا ترتيب، إن مجتمعكم مليئ بالتمرد على القانون، بينما لا نجدهذه الظاهرة في الغرب. ثم إنكم غير مثابرين وغير منظمين في أعمالكم، كثيراما تبذر وتتلف رؤوس الأموال، الإدارة في المجتمعات الإسلامية غير كفوءةوهناك نزاعات واختلافات كثيرة بينكم... بيد أن في المجتمعات الغربية لم نرىهذه المشاكل، بل كل الناس يعملون مع بعض بانسجام كأدوات مكينة واحدة...
حتى النظام الطالباني أوفر حظا في القيم الإنسانية من الأنظمة الأوروبية
هذا هو الجواب الرائج والمشهور في المجتمع والذي لم أقتنع به. أنا أعتقدأن المجتمع الإسلامي بأجمعه مع كل الإشكالات التي أقرّ بها وأتبناها تجاهمختلف المجتمعات الإسلامية من قبيل النظام الطالباني المتطرف أو النظامالسعودي الذي لا يسمح بسياقة النساء، هو أرفع وأعلى بكثير من الحضارةالغربية من حيث المبادئ والقيم الإنسانية. هناك فارق كبير جدا في القيمالإنسانية بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي، فإن أدركنا هذا الفارقالكبير نستطيع أن ندرك بكل سهولة أرجحية النظام الطالباني في أفغانستان علىالمجتمع الفرنسي وثقافة لندنوالثقافة التي يعيشها المجتمع الغربي.
إن ظاهرة الكذب في المجتمع الإسلامي أفضل من ظاهرة الصدق في الغرب
لعلكم تقولون شيخنا ألا ترى ترتيبهم ونظمهم؟! أرى ذلك، ولكن بأيّ قيمة أوجدوا هذا الترتيب في شوارعهم؟

دعوني أضرب مثالا بسيطا:

ذات يوم قال لي أحد طلاب الجامعة بأني أريد أن أهاجر إلى الغرب. فسألتهعن السبب. قال: إن الحياة هناك أسهل وأروح. قلت له: كيف؟ قال: هناك لايكذبون على بعض، أما هنا فالكذب على قدم وساق. فأيدت كلامه تماما. فقال: إذن قد سَبَقنا الغربيون فأذن لي بالذهاب إلى هناك.
قلت له: أتدري لماذا يصدق الغربيون ولا يكذبون؟ وهل تريد أن نقضي علىالكذب في بلدنا بحيث يغدو الناس يصدقون على بعض مثلهم؟! اسلب قيمة الأسرةمن أذهان الناس واجعلها رخيصة بلا ثمن كشأن الأسرة في فرنسا. فإذا قضي علىقيمة الأسرة، حينئذ لا يضطر الرجل والمرأة أن يصبرا على بعض حفاظا على كيانالأسرة، بل تأتي المرأة لزوجها وتصارحه بكل صدق بأني لا أريد البقاء معكبعد هذا، إذ قد تعرفت على صديق جديد عبر الإنترنت وأرغب بالحياة معه،فلنعقد حفلة الوداع أسبوع القادم وننفصل... ويوافق الزوج بكل رحابة صدر! وبالتالي تصل الاحصائيات بأن سبعين بالمئة من الأسر لا يعيشون معا بل كليعيش وحده.
إذا سلبتَ القيم من المجتمع، فما الحاجة بعد للكذب. ولهذا قال الشهيدالمطهري (رض) أن موضوع الكذب يختصّ بالمجتمعات القيمية. أما لو جُرّدالمجتمع عن الدين والقيم، فسوف لا يكذب أحد. ولهذا إن شرب الخمر أحد فيمجتمع ديني، تجده ينكر ويكذب على الناس وقد يقسم بالله على أنه لم يذقه.
كما أنك إن سلبت الحياء والخجل من المجتمع، فقد قضيت على الكذب في نفسالوقت. فعلى سبيل المثال إذا طمع أحد بإرث أبيه وتمنّى وفاته، وفي نفسالوقت إن لم يحظ بشيء من الحياء، يأتي إلى أبيه ويخاطبه بكل صدق ويقول: إلىمتى تعيش معنا يا أبي، هلا متّ حتى أنتفع بإرثك. انظر كيف يصدق الناس إنجردتهم عن الحياء. فهل كل صدق محمود؟! وهل لهذا الصدق الشائع في الغرب قيمةوثمن؟!

ليس في الثقافة الغربية حتى فضيلة واحدة

أنا أنكر وجود شيء من الفضائل الإنسانية في الثقافة الغربية وأضرب بكلهاعرض الجدار مع ما تنطوي عليه من القيم الإنسانية على حدّ زعمهم. إذ أنالناس مضطرون لمراعاة بعض القيم الإنسانية لاستمرار حياتهم وهذا لا يدل علىأيّ فضل في وجود الإنسان.
ليس بإمكان أحد أن يجرّد نفسه عن كل القيم الإنسانية برمتها، وهذا ما لايستثنى عنه حتى صدام المجرم، إذ كان يلتذ أحيانا بعمل إنساني بسيط. ولكن لاتدل هذه المواقف الإنسانية على فضل وشرف لصاحبها.
لا شكّ في أن بعض البلدان الأوروبية تمارس الظلم والعدوان على الشعبالإيراني، فلماذا لا يتظاهر علماؤهم وأساتذة جامعاتهم على الحكومات ليقولوالهم، لماذا تنهبون حقوق شعب كامل طمعا بالمزيد من الرفاه والترف؟ لماذا لايعترضون عليهم؟! لماذا لا يدافعون عن حقنا في الطاقة النووية؟! أين ذهبتفضائلهم وقيمهم الإنسانية؟!

إن ترتيب شوارعهم لا يكشف عن فضيلة لهم

هل أن هدوءهم في المرور وترتيبهم في الشوارع ناجم عن فضيلة إنسانيةيفتقدها شبابنا في البلدان الإسلامية؟! هل أبقت الملاهي والفجور والخموروحفلات الرقص والبارات شيئا من طاقة الشباب الأوروبي وهيجانهم ليفرغوها فيالشوارع وأثناء المرور؟! نعم إذا سقنا شباب بلداننا الإسلامية لمثل هذهالحياة وأصبح كل همّهم وقلقهم ممارسة الجنس آخر الأسبوع، ستهدأ شوارعنا لامحالة، وسوف لا يبقى لأحد دافع ومحفز لاستعراض بطولاته أمام الشرطي. هلتعلمون أن من أخطر السياسات في البلدان الديمقراطية هو إبعاد الشباب منالملاهي والخمور وتشجيعهم على الدراسة؟ وهل تعلمون ما هي سياسة البلدانالغربية في سبيل السيطرة على الشباب ووالوقوف أمام تمردهم وعصيانهم؟

هذه خطة اليهود للسيطرة على العالم

كنت أتحدث في كندا مع طلاب جامعة فسألتهم عن المناطق اليهودية وثقافةحياتهم هناك. فقالوا إن هناك فارق كبير بين حياة اليهود وبين حياةالمسيحيين. فعلى سبيل المثال إنهم يسافرون ويخرجون إلى المنتزهات وحدائقالألعاب مع أسرهم. نساؤهم محتشمات والأب هو الرئيس الأول والأخير في أسرهم.
فلماذا يحاول الإعلام اليهودي الذي يغذي المسيحيين وباقي الشعوب أن يسحبزمام إدارة الأسرة من يد الأب؟ لماذا يحاول هذا الإعلام أن يزيل الحدود بينالمرأة والرجل ويرغب المسيحيين على ممارسة الجنس بلا حدود؟ لماذا يثقفالشباب على التمرد على والديهم، ويعطيهم رقم هاتف بسيطا حتى إذا منع الوالدابنه من أن يتفرج فيلما، يتصل بالشرطة مباشرة ليعتقلوا والده؟
على أساس بعض الأفلام التي تعكس أسلوب حياة اليهود، يبدو أنهم قد وضعواستارا بين الرجل والمرأة في الحافلات حفاظا على الحريم بين الجنسين، أماعندما أرادوا أن يؤسسوا الدروس الجامعية تجدهم يحرضون على حرية العلاقة بينالجنسين. كذلك أفلامهم تروج الإباحية الجنسية.
إنهم قد قضوا على إنسانية الإنسان وجردوه من كل طاقاته وقابلياته التي قدتؤدي إلى التمرد والعصيان، فاستتبت الأوضاع وهدأت الشوارع. فأي قيمة ياترى في هذا النظام. أسألكم سؤالا؛ هل بإمكان الشاب المستغرق في قضايا شهرالعسل أن يواجه هذا وذاك ويشكل معارضة ضدّ الحكومة مثلا؟! فإذا مدّدوا شهرالعسل للشباب الغربيين ومن خلال آلاف الملهيات والمغريات إلى عشرات السنينوبقدر ما استطاعت أجسامهم، هل تبقى لهذا الشابّ قوة وشهامة وجدارة حتى يطرحسؤالا سياسيا في الغرب؟ فأي فضيلة أعترف بها لهذا المجتمع؟
أي حسن نعثر عليه في الثقافة والحضارة الغربية فإن لم يكن يخدم الصهاينةالمسيطرين على المجتمعات المسيحية، يقضوا عليه ولن يسمحوا له بالدوام. منيصدّق بأن الشعوب الغربية هي التي تقرّر مصيرها؟
إن الأنظمة المستبدة مهما كانت جائرة وظالمة ولكنها توفّر النظم وترتّبالأمور باستبدادها، وهل يبنغي الرخوض للدكتاتور باعتباره يؤمن الحدّ الأدنىمن احتياجات الإنسان؟ أنا أعتبر الثقافة الغربية منحطّة وقبيحة وبعيدة عنالإنسانية، إذ أن العالم المتغرّب الذي وفرت له الجامعة بعض الإمكاناتوالخدمات وقنع بها، جعلته يغفل عن الاستبداد الخفي الذي يتحكم في رقابالناس، فهو مشغول باستخدام الإمكانات الموفّرة له بلا أن يعرف الجهات التيتدير أكبر الأحزاب السياسية في أوروبا.

الأنظمة الأوروبية أنظمة دكتاتورية

أنا أعتقد حسب قناعتي أن الاستبداد الظاهر والصريح أفضل من الاستبدادالخفي الذي يمارس دكتاتوريته خلف ستار رأي الشعب، حيث يفرض رأيه على الناسبالدعايات والأجهزة الإعلامية ويدير مسرحية الانتخابات على أساس هواه. والدليل على ذلك هو أنه مهما تغيرت الواجهات السياسية وتداولت الأحزابالسياسية على السلطة، لم ينزل أصحاب رؤوس الأموال الضخام عن أريكة قدرتهموموقعهم. هم الذين يثيرون الحروب في العالم حفاظا على رأس مالهم. فكيفأعتبر هذه الأنظمة ديمقراطية؟ إني لا أعتبرها ديمقراطية.
أنا أفضل الأنظمة الدكتاتورية في بلداننا الإسلامية التي لا أشتريها بفلسعلى الأنظمة الأوروبية، إذ أن في بعض بلداننا نعيش دكتاتورية صريحةوواضحة، أما الدكتاتورية الخفية والخادعة فهي أخبث منها.
إن تعامل الشرطة في أوروبا مع من تعدى على أبسط قوانين المرور تعاملمرعب، حيث لا يجرأ أحد على مخالفة القوانين. إنهم قد سحقوا كرامة الإنسانبهذا التعامل المرعب وعينوا على أبسط المخالفات غرامات فادحة، ومن جانب آخرجردوه عن طاقاته ومواهبه ونشاطه وحيويته بمختلف المغريات والملهياتوالخمور والفجور فأصبح بلا حول ولا قوة على أي تمرّد ومخالفة للقانون. أينهذا الأسلوب وهذه الثقافة من ثقافة الإسلام؟!

كل نظام رأسمالي هو بخدمة الصهاينة شاء أم أبى

إن أعجبكم النظام الاقتصادي في الغرب وأردتم أن تنقلوا هذا الترتيبوالانسجام إلى طهران مثلا، حسبكم أن تعطوا زمام اقتصاد البلد برمته بيدتاجرين ضخمين من أصحاب رؤوس الأموال. فإن فعلتم ذلك سيوفرون الحدّ الأدنىمن الرفاه النسبي بسرعة. كما أنهم سوف يبيعون ويشترون جميع المناصبالإدارية والخدمية وينظمون المجتمع بسرعة. لا شك في أن النظام الرأسماليقادر على ترتيب الأمور بسرعة، إنه يوفّر رفاها نسبيا، ولكن نتيجة هذاالنظام هي أن من فائض هذه الأموال يقتل ويذبح الفلسطينيون.
إذا ساد في مجتمعنا النظام الرأسمالي، لا شك في أن مقدرات البلد وزمامالأمور ستصبح بيد أغنى الناس في العالم وهم أصحاب رؤوس الأموال الذينيدعمون الصهاينة! ما هو الحسن الموجود في الغرب حتى نقارن بيننا وبينهم؟!
أبعدوا المسلمين عن علمائهم
تعرفون مستر همفر الجاسوس البريطاني الذي ألف مذكراته وذكر فيها حقائقلطيفة. يقول في كتابه إني قد عاشرت علماء الشيعة والسنة عن قريب. إن جميعهؤلاء العلماء يرتدون اللباس الأبيض وفقا لتعاليم الإسلام. بينما نحن فيالغرب وبعد التطور والتقدم بدأنا تواً نوصي أطباءنا بارتداء الزيّ الأبيض.
ثم يقول إن اطلع العالم الإسلامي والشباب المسلم على نظافة وإناقةعلمائهم الذين قد عاشرتهم عن قريب مرارا، لن ينجذبوا إلينا. ثم يوصيالبلديات في المدن المقدسة الإسلامية أن يحاولوا مهما أمكنهم أن يجعلوا هذهالمدن وسخة ولا ينظفوها، حتى إذا هاجر الشباب المسلمون إلى بلاد الغربوشاهدوا مدنها يشعرون بمدى الفارق الكبير بيننا وبينهم. هكذا أرادوا أنيخدعونا.

كرامة الإنسان تحفظ في البلدان الإسلامية أكثر من بلاد الغرب

أختم كلامي بهذه الكلمة وهي أن كرامة الإنسان تحفظ في البلدان الإسلاميةأكثر من بلاد الغرب وذلك من خلال التعامل العاطفي الموجود بيننا، ومن خلالالقيم والمثل الاجتماعية السائدة في مجتمعاتنا، أما الإنسان الغربي الذيساقته القوانين الحقوقية العنيفة والضغوط الاقتصادية والفساد والابتذال إلىحياة آليّة خاوية، فلم ير تعاملا إنسانيا من ثقافته وحضارته المنتميإليها. كما لا ينبغي أن نعير اهتماما لأي حسن من محاسن الحياة الآليةالغربية. ما قيمة النظم والترتيب الذي يفرض على الإنسان، ويجبره على العملالمنضبط بلا أن تؤخذ إرادة هذا الإنسان وكرامته بعين الاعتبار؟
قال الله عز وجل: (كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) وقالتعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس). لا يعتريكم هذا الشعور أبدا بأن الأمةالإسلامية قد تخلفت عن إحدى ثقافات وحضارات العالم. نحن لم نتأخر عن حضارةوثقافة في زمن، وسيتضح تقدمنا على باقي الأمم جليا عن قريب إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.